لإدارة المدرسية من خلال البرنامج الاستعجالي

لا شك أن الإدارة التربوية للمؤسسات التعليمية كانت حاضرة ضمن اهتمامات البرنامج الاستعجالي من خلال المشروع(e1p12)  المتعلق بتحسين جودة الحياة المدرسية، والذي تبنى توجهات الميثاق الوطني بخصوص تطوير أداء الإدارة التربوية ومجالس التدبير، وأقر في مضمونه التشخيصي لوضعية هذا المرفق الإداري باعتباره نظاما للتدبير، أنه يعاني من محدودية القدرة على التجديد والإبداع. وهذا الواقع لا زال قائما بالعديد من المؤسسات التعليمية، وتعكسه طبيعة الممارسات اليومية وإيقاعات وأنماط التسيير التي تحكم هذا الجهاز الذي كان دائما يعول عليه ميدانيا في الاضطلاع بالأدوار والوظائف الفعالة لضمان تدبير أمثل للشؤون الإدارية والتربوية للمؤسسة التعليمية، فالبرنامج الاستعجالي عبر المشروع المذكور، سطر مجموعة تدابير لدعم الجهاز التدبيري بالمؤسسة وردت ضمن مواده كالآتي:
 أجرأة أنماط تنظيم المؤسسات التعليمية وتدبيرها
حيث تستلزم دعم مجموع الحلقات المكونة لسلسلة التسيير والتدبير، ويشكل مدير(ة) المؤسسة حجر الزاوية في سلسلة نظام التأطير؛ لذلك، فإن الدور الكبير الذي يضطلع به في عملية التدبير سيساهم، حتما، في توطيد وضعه الاعتباري. و بناء عليه، سيتم مستقبلا، اعتماد معايير خاصة في عملية انتقاء المديرين، اعتمادا على قدراتهم التدبيرية، بعد تزويدهم بالعدة المنهجية التي سيتبعونها في تدبير 
المؤسسات التعليمية، كما سيتم إخضاعهم لتكوين خاص في هذا المجال لمدة سنة
وموازاة مع ذلك، ومن أجل الارتقاء بعملية التدبير، سيتم تزويد المؤسسات التعليمية بالأطر الكافية لتدبير شؤونها، وتوفير كل الوسائل الضرورية للعمل، كما سيتم الاعتماد على مؤشرات ولوحات قيادة. علاوة على ذلك، سيتم تزويد كل مؤسسة تعليمية ونيابة إقليمية وأكاديمية جهوية، ببرنام إعلامي للتدبير الإجرائي. 

إن هذه الإجراءات المتوقعة تعيد التأكيد على الدور المحوري للمدير(ة) على الخصوص ضمن سيرورات الفعل التربوي، وأهمية تأهيله و تمكينه من التكوين اللازم ، وهي تحاول أن تهيئ الشروط الضرورية له كي يتمكن من القيام بالمهام والمسؤوليات المنتظرة منه، و تقديم تلك المقاربة الشمولية التي ينبغي اعتمادها في أية معالجة للشأن الإداري بالمؤسسة التعليمية، أي أننا لأول مرة نجد هذا الإدراك الشبه الكلي لمجموع مكونات الهيئة الإدارية، واعتبارها نسقا متكاملا يحتاج لإصلاح ودعم شامل.

وبالتأكيد أن ما جاء به هذا المشروع يحمل الكثير من الإيجابيات على مستوى الرؤية النظرية والأفق المنتظر خصوصا على المدى البعيد، لكن بالرجوع لميدان الفعل والممارسة حاليا، يتبين لنا أننا لا زلنا جد بعيدين عن هذه الطموحات، ولسنا قادرين على مجاوزة الواقع الهش للإدارة المدرسية، هذا الواقع الذي لا يخدم بتاتا باقي الأوراش الإصلاحية المفتوحة ولا يستوعب إيقاعها. فلا زال هناك نقص في الموظفين والأطر أمام ارتفاع عدد المتمدرسين وتزايد مشاكلهم، إذ ضبط تغيبات التلاميذ فقط بالتدوين والمتابعة يتطلب الموارد البشرية الكافية لهذه العملية، وأيضا تشعب وظائف هيئة الإدارة، فإنجاز ملف واحد بشكل مضبوط عن تلميذ غير ملتحق أو منقطع عن الدراسة وإجراء العمليات المرتبطة به من تقصي وتجميع للمعلومات المتعلقة بأسباب تخلفه عن المتابعة ومراسلته وتتبعه يأخذ وقتا ومجهودا هاما، وما أكثر هذه الحالات في ظل ارتفاع نسبة الهدر المدرسي. ناهيك عن تعدد وكثافة مسؤوليات المدير(ة)، والتي تتوزع بين تدبير شؤون الموظفين والمدرسين والأطر العاملين بالمؤسسة، وقيادة مجالس المؤسسة والجمعيات الموازية، وإنجاز الأعمال الوظيفية والإدارية، وتدبير الخلافات والمشاكل اليومية، استقبال الآباء والأمهات والأولياء، وتحمل المسؤولية التربوية والمادية والمعنوية للمؤسسة وحفظ ممتلكاتها، وتمثيل المؤسسة لدى السلطات والجماعات المحلية والإدارات الأخرى، وتسيير المطعم المدرسي، وضبط سير الدروس ومتابعة أوضاع المتعلمين تربويا ونفسيا وصحيا واجتماعيا، وإعداد برامج المؤسسة وتنفيذ المشاريع التربوية وبرامج الدعم التربوي، والسهر على خلايا اليقظة والأندية التربوية وإيجاد الشراكات والحرص على التواصل مع كل الفاعلين والشركاء... مسؤوليات ومهام يتعذر على مدير(ة) المؤسسة التعليمية، مهما كانت مواصفاته المهنية، أن ينجزها على الوجه الأكمل في ظل الشروط الحالية للإدارة المدرسية، وفي غياب طاقم إداري مساعد بالمدرسة الابتدائية العمومية.
وبالإضافة إلى " المشروع e1p12 " المتعلق بتحسين جودة الحياة المدرسية، وباعتبار مدير(ة) المدرسة الابتدائية العموميية أحد الأطرالتربوية والإدارية، فقد تطرق إليه البرنامج الاستعجالي في إطار المشروع e3p1 المرتبط بتعزيز كفاءات الأطر التربوية، وانطلاقا من تشخيص الوضعية الراهنة، أشار البرنامج الاستعجالي في مجاله الثالث المرتبط بمواجهة الإشكالات الأفقية لمنظومة التربية والتكوين، إلى غياب مقاييس تسمح بتقويم المؤهلات البيداغوجية والعلائقية للمترشحين لمراكز التكوين، ولبلوغ الهدف المتمثل في التوفرعلى أطر تربوية وإدارية ذات جودة عالية وتكوين مثين، تم اعتماد مجموعة من التدابير تروم تعزيز كفاءات الأطرالتربوية الإدارية، من خلال تكوين يغطي كل مراحل الحياة المهنية لهذه الأطر، ويشمل التكوين الأساسي والمستمر وممارستهم المهنية. وفي أفق استكمال تحويل الموارد البشرية والمسؤوليات وتحديد المهام والمسؤوليات، ركز البرنامج الاستعجالي على ضرورة تحقيق الملاءمة بين المواصفات المهنية للمسؤولين عن البنيات اللاممركزة ووظائفهم الجديدة، مع "تعزيز دور مدير المدرسة لجعله محور الإصلاح." 
أما الإدارة المدرسية كإحدى آليات تدبير الشأن المدرسي بالمؤسسة التعليمية، فإنها تمثل المستوى المحلي ضمن نسق يشمل أيضا المستويين الإقليمي والجهوي في إطار اللامركزية التي دعا إليها البرنامج الاستعجالي، وقد تم تناول مسألة تدبير الشأن التربوي من خلال التطرق لإشكالية الحكامة في علاقتها بمفاهيم أخرى كاللامركزية، والتعاقد، والاستقلالية، حيث أشار المشروع e3p4 المتعلق ب"الحكامة، التخطيط، ومقاربة النوع." إلى أنه بالرغم من تجسيد اللامركزية كنمط تدبيري جديد، فإن هذه السيرورة لازالت قاصرة على بلوغ أهدافها، ويبدو ذلك جليا في العديد من الثغرات من قبيل:
- استمرار تدبير الموارد البشرية والممتلكات من طرف المصالح المركزية؛
- عدم توفر الأكاديميات والنيابات والمؤسسات التعليمية على الوسائل الضرورية لممارسة ناجعة لاختصاصاتها؛
- سيرورة غير مرضية للتدبير التشاركي الذي تم تبنيه من خلال مكونات الهيئات المدبرة للمنظومة، بما في ذلك مجالس تدبير المؤسسات بصفتها آليات تدبيرية مساعدة للإدارة المدرسية؛
- حصر اللامركزية بقطاع التعليم المدرسي بالجهة، دون تفويض الاختصاصات إلى المستوى الإقليمي ومستوى الإدارة المدرسية محليا؛
- عدم مواكبة إرساء اللامركزية بتحديد واضح للمهام والمسؤوليات جهويا، وإقليميا، ومحليا.
لمواجهة هذه الإشكالات، وضمانا لتحسيس كل المستويات التدبيرية لمنظومة التربية والتكوين، بما في ذلك الإدارة المدرسية، بثقافة المسؤولية، ومن أجل ترسيخ ثقافة التقويم وتتبع النتائج، تم اعتماد مجموعة من التدابيرتتمثل في:
- إعادة تنظيم سيرورة التخطيط باعتماد المنطق التصاعدي مع تنظيم معلوماتي مندمج؛ حيث سيتم تغيير اتجاه سيرورة التخطيط المتعتمدة حاليا بهدف استقراء المعلومات من الميدان في اتجاه الإدارة المركزية، وسيتم تحديد الأهداف وبلورة المؤشرات الأولية على مستوى المؤسسات، مع التركيز على محورية الإدارة المدرسية في كل مراحل هذه السيرورة؛
- تحديد المهام والمسؤوليات؛ فاستكمال تطبيق اللامركزية واللاتمركز يمثل مشروعا أساسيا من مشاريع استكمال الإصلاح التربوي، ويهدف إلى تحقيق الملاءمة بين المواصفات المهنية للمسؤولين عن البنيات اللاممركزة ووظائفهم الجديدة، ويشمل هذا الإجراء بالطبع مديرات ومديري المؤسسات التعليمية، كما يروم مشروع من هذا القبيل، بلورة ثقافة تدبيرية مبنية على تحديد الأهداف وقياس الإنجاز والنتائج، بالإضافة إلى تحسين قدرات الإدارة التربوية على إنجاز مهامها بصورة فعالة وناجعة.
- توضيح الاختصاصات والهيكلة في كل مستوى من مستويات منظومة التربية والتكوين، مع التأكيد على ضرورة تعزيز الدور المحوري للإدارة المدرسية في دينامية الإصلاح التربوي، والعمل على تحسين أنماط اشتغال الهيئات التدبيرية من مجالس التدبير ومجالس المؤسسة الأخرى، لجعلها أكثر فعالية ونجاعة، وآليات مساعدة فعلا للإدارة المدرسية في تدبير الشأن المحلي للمؤسسة التعليمية.
خاتمة:
لايمكن الحديث عن حكامة جيدة بالإدارة المدرسية المغربية في غياب استقلالية المؤسسة التعليمية، فمن أجل إرساء التدبير بالنتائج وضمان قيادة تربوية فعالة، لابد من تعزيز الاستقلالية والمسؤولية وروح المبادرة لدى مدير(ة) المؤسسة التعليمية، بإبرام تعاقدات وبناء شراكات مع مختلف المتدخلين في الشأن التربوي، مع تحديد التزامات كل الأطراف لتحقيق أهداف دقيقة مبنية على أساس خطط عمل وتخصيص ميزانيات ملائمة لإنجازها، ولن يتأتى ذلك إلا إذا تم توطيد قدرات القيادة التربوية على مختلف مستويات تدبير منظومة التربية والتكوين، بما في ذلك المستوى المحلي الذي تجسده الإدارة المدرسية، من خلال وضع وإقرار أدوات للقيادة تساعد المدير(ة) على تتبع إنجاز الأهداف المحددة في التعاقدات ومشاريع المؤسسة، وفق مجموعة من المؤشرات توفر إمكانية قياس الإنجازات بصورة موضوعية وعلمية ومنظمة
 

إرسال تعليق

0 تعليقات